لابد من الإشارة إلى أننا نجد في اللغة العربية عدة مصطلحات مقابلة للمصطلح الأجنبي الواحد، ولعل ذلك يرجع إلى تعدد مناهل الترجمة، وكذلك إلى ظاهرة الترادف في اللغة العربية، وحتى في لغة المصطلح الأصلية، إذا ترجم إلى لغة أخرى نقل الترادف إليها من ذلك: تعدد المصطلحات المستقاة من الإنجليزية في شقيها البريطاني والأمريكي، والشواهد على هذه الظاهرة كثيرة في العربية سواء تعلق الأمر بالإنجليزية أم بالفرنسية، وهما اللغتان اللتان يأخذ منهما الفكر العربي المعاصر على تنوع خطاباته والمعارف المتعلقة به، منها مصطلح (Didactique ) الذي يقابله في اللغة العربية عدة ألفاظ .
تعليمية تعليميات علم التدريس علم التعليم التدريسية الديداكتيك
تتفاوت هذه المصطلحات في الاستعمال، ففي الوقت الذي اختار بعض الباحثين استعمال "ديداكتيك" تجنبا لأي لبس في مفهوم المصطلح، نجد باحثين آخرين يستعملون علم التدريس، وعلم التعليم، وباحثين آخرين لكنهم قلائل يستعملون مصطلح تعليميات، أما مصطلح تدريسية، فهو استعمال عراقي غير شائع (مجلة الفيصل، ص42-43)
كلمة تعليمية(Didactique) اصطلاح قديم جديد ، قديم حيث استخدم في الأدبيات التربوية منذ بداية القرن 17 ، وهو جديد بالنظر إلى الدلالات التي ما انفك يكتسبها حتى وقتنا الراهن ، وفيما سيأتي نحاول تتبع التطور التاريخي لهذا المصطلح بداية من الاشتقاق اللغوي وصولا إلى الاستخدام الاصطلاحي .
يقول حنفي بن عيسى، كلمة تعليمية في اللغة العربية مصدر صناعي لكلمة تعليم ، وهذه الأخيرة مشتقة من علّم أي وضع علامة أو سمة من السمات للدلالة على الشيء دون إحضاره.
أما في اللغة الفرنسية فإن كلمة (Didactique) صفة اشتقت من الأصل اليوناني (Didaktikos)
وتعني فلنتعلم أي يعلم بعضنا بعضا، و(Didaskein) تعني التعليم ، وقد استخدمت هذه الكلمة في علم التربية أول مرةسنة 1613 من قبل كل من كشوف هيلفج (K. Helwig) وراتيش و(Ratich w.) في بحثهم حول نشاطات راتيش التعليمية، وقد استخدموا هذا المصطلح كمرادف لفن التعليم، وكانت تعني عندهم نوعا من المعارف التطبيقية و الخبرات، كما استخدمه كامنيسكي (Kamensky) سنة 1657 في كتابه "الديداكتيكا الكبرى" ، حيث يقول أنه يعرفنا بالفن العام للتعليم في جميع مختلف المواد التعليمية، ويضيف بأنها ليست فن فقط التعليم بل للتربية أيضا.
واستمر مفهوم التعليمية كفن للتعليم إلى أوائل القرن 19 حيث ظهر الفيلسوف الألماني فردريك هيرببارت(FHerbert 1770-1841)،الذي وضع الأسس العلمية للتعليمية كنظرية للتعليم ، تستهدف تربية الفرد ، فهي نظرية تخص النشاطات المتعلقة بالتعليم فقط ، أي كل ما يقوم به المعلم من نشاط ، فاهتم بذلك الهربرتيون بصورة أساسية بالأساليب الضرورية لتزويد المتعلمين بالمعارف، واعتبروا الوظيفة الأساسية للتعليمية هي تحليل نشاطات المعلم في المدرسة.
وفي القرن 19 وبداية القرن 20 ظهر تيار التربية الجديدة بزعامة جون ديوي(J. Dewey 1952-1959)، وقد أكد هذا التيار على أهمية النشاط الحي والفعال للمتعلم في العملية التعليمية واعتبروا بهذا التعليمية نظرية للتعلم (3) لا للتعليم
(عبد الله قلي، المرجع السابق، ص117-118).
ورغبة منا في شرح أكثر لمفهوم التعليمية ، نحاول في الفقرة الموالية ذكر التعاريف التي جاء بها بعض العلماء حول هذا المصطلح .
*الديداكتيك شق من البيداغوجيا موضوعه التدريس، وقد استخدمه لالاند 1988 (Lalande) كمرادف للبيداغوجيا أوللتعليم (معجم علوم التربية، مصطلحات البيداغوجيا و الديداكتيك، 1994، ط1، ص68).
*كما أن الديداكتيك علم تطبيقي موضوعه تحضير وتجريب استراتيجيات بيداغوجية لتسهيل إنجاز المشاريع، فهي علم تطبيقي يهدف لتحقيق هدف عملي لا يتم إلا بالاستعانة بالعلوم الأخرى كالسوسيولوجيا، والسيكولوجيا، والإبستمولوجيا، فهي علم إنساني مطبق موضوعه إعداد وتجريب وتقديم وتصحيح الاستراتيجيات البيداغوجية التي تتيح بلوغ الأهداف العامة والنوعية للأنظمة التربوية (Legendre R. 1988) (معجم علوم التربية، المرجع نفسه، ص69)
* فالديداكتيك نهج أو أسلوب معين لتحليل الظواهر التعليمية(Devolay M. 1991 & Lacomb M. 1968) فهو الدراسة العلمية لتنظيم وضعيات التعلم التي يعيشها المتربي لبلوغ هدف عقلي أو وجداني أو حركي، كما تصب الدراسات الديداكتيكية على الوضعيات العلمية التي يلعب فيها المتعلم الدور الأساسي ، بمعنى أن دور المعلم هو تسهيل عملية تعلم التلميذ، بتصنيف المادة التعليمية بما يلائم حاجات المتعلم، وتحديد الطريقة الملائمة لتعلمه مع تحضير الأدوات المساعدة على هذا التعلم ، وهذه العملية ليست بالسهلة، إذ تتطلب مصادر معرفية متنوعة كالسيكولوجيا لمعرفة الطفل وحاجاته، و البيداغوجيا لاختيار الطرق الملائمة، وينبغي أن يقود هذا إلى تحقيق أهداف على مستوى السلوك، أي أن تتجلى نتائج التعلم على مستوى المعارف العقلية التي يكتسبها المتعلم وعلى مستوى المهارات الحسية التي تتجلى في الفنون والرياضيات وعلى المستوى الوجداني (Lavallé) (معجم علوم التربية، المرجع السابق، ص68-69 )
نستخلص من هذه التعاريف أن الديداكتيك تهتم بكل ما هو تعليمي تعلمي، أي كيف يعلم الأستاذ مع التركيز على:
كيف يتعلم التلميذ؟ ودراسة كيفية تسهيل عملية التعلم، وجعلها ممكنة لأكبر فئة، ثم اتخاذ الإجراءات المناسبة لفئة التلاميذ ذوي صعوبات في التعليم، وبالتالي فهي دراسة التفاعل التعليمي.
يمكن لنا أن نستعين بشكل وضعه (René Richterich) (4) لتفسير العملية التعليمية إذ يقول أنها عملية تفاعلية من خلال: متعلمون في علاقة مع معلم لكي يتعلموا محتويات داخل إطار مؤسسة من أجل تحقيق أهداف عن طريق أنشطة وبمساعدة وسائل تمكن من بلوغ النتائج. (عبد المؤمن يعقوبي، 1996، ص 22).
فالتعليمية بهذا تقنية شائعة، تعني تحديد طريقة ملائمة أو مناسبة للإقناع أو لإيصال المعرفة
(علي شريف بن حليمة ،تعليمية المواد العلمية،مجلة همزة وصل، ، عدد خاص، 1992، ص21) ، فهي كتخصص تجعل موضوعها مختصرا على الجوانب المتعلقة بتبليغ مضمون معين، بينما تكون الجوانب النفسية الاجتماعية من اهتمام علوم التربية.
(عبد المجيد بن الصغير ، لمحة عن تعليمية المواد ،مجلة همزة وصل، المرجع السابق، ص46)
وككل علم من العلوم انفردت التعليمية بمفاهيم خاصة بها، تستعملها كمفاتيح لتفسير مجال بحثها وحدوده رغم صلتها الوطيدة بالعلوم الأخرى، كعلوم التربية و البيداغوجيا وعلم النفس
0 التعليقات
إرسال تعليق